« الزعر» قصة قصيرة للكاتب محمد كمال سالم

الكاتب محمد كمال سالم
الكاتب محمد كمال سالم

: ياليتها دامت أيام الفتونة يا خالتي، على الأقل كانوا مننا وعلينا، أما هذا الملعون (الزعر) لا ندري من أين أتى ولا كيف يتكاثر هكذا في الرَبْع؟!

الدرب كله أصبح أقاربه ومعارفه.

هكذا كانت فاطمة تحدث خالتها - أم الشيخ حسن - وهي تقف عند ناصية حارة (شطا) في الدرب الأحمر، بينما خالتها تفترش براح كنبتها البلدية المكسوة بكليم ناعم ،غُزِل بمهارة من القصاقيص الملونة الزاهية، والتي استقرت فوق سجادة فارسية غالية الثمن كانت قد ورثتها من أمها.

 تجلس خلف المشربية لايراها

أحد، فقط فاطمة تعرف موضع خالتها، تصبح وتمسي عليها في غدوها ورواحها وكأنها قدس تتبرك به.

لمحت فاطمة"مرسي الزعر" يقف عند الناصية المقابلة بجلبابه النظيف ولاسته على كتفيه في زهو يرمقها، وقد ارتفع حاجباه فاتسعت حدقتاه غضبا،كان يتصنت على ما

أسرته فاطمة لخالتها، لم تهتز فاطمة الجميلة، ولم تخف؛ بل واجهته بنظرات مثل نظراته في تحد، وأرخت برقعها الأسود على وجهها الأبيض المستدير المشرب بحمرة كحمرة التوت، تناولت بخفة طرف ملاءتها السوداء الغالي ثمنها، ثم أحكمتها على خصرها المنحوت بعجب وبدنها المكتنز الندي:

_عايزة حاجة يا خالتي؟

_"فوتك بعافية"

عادت محتقنة إلى بيتها، ألقت أكياس حاجتها التي اعتادت أن تشتريها من سوق"تحت الربع" ؛ بينما الشيخ حسن يراقبها، فعرف أن هناك أمرا ما أغضبها، كانت لا تريد أن تغضب زوجها، أو تعرضه لخطر هذا المجرم، لكنها أضطرت أن تصارحه تحت إلحاحه المستمر:

_إسمعي يا فاطمة:"هذا الرجل خطير ومدعوم من نقطة البوليس، تقريبا هم من زرعوه هنا في الدرب الأحمر لما وجدوا أهله مترابطين ويدا واحدة، ومش قادرين يتحصلوا على معلومات، أو يوقعوا بين أهله الفتن".

*من يوم ما اتوجد في الرَبْع يا حسن، والناس قايمين مشاكل مع بعض، حتى أهل البيت الواحد مش سالمين من الفتنة.

أراد الشيخ حسن أن يشرح لزوجته"فاطمة"، أن"مرسي الزعر" منذ أن أعانته الشرطة على الحاج"عربي العَفْش" واشترى منه دكانته، ثم بدأ "الزعر"يأتي بأقاربه وعياله من البلطجية، وراحوا يستولون على المحلات وعلى التجارة في المنطقة، بالحيلة تارة وبالبلطجة تارة أخرى، حتى الدجل الذي مكنهم من التحايل على عقول البسطاء ودخلوا به كل بيت.

وَلمّا حاولت يا فاطمة أن أُحذِر الناس منه ومن عصابته على المنبر في المسجد، استدعوني في نقطة البوليس وهددوني أن أتناول سيرته من قريب أو من بعيد، وقتها فهمت وعرفت أنهم وراء تواجده بيننا ليكون سمعهم وبصرهم، ويدهم التي يبطشون بها_إذا لزم الأمر_.

كانت فاطمة تستمع إلى الشيخ حسن فاغرة فاها دهشة، كانت تعرف أن هذا الكيان المتمثل في"مرسي الزعر"خطر؛ لكن لم تكن تعلم أنه مدعوم من المخفر إلى هذا الحد!

وفي صباح اليوم التالي، تحرشت إحدى نساء"الزعر" بفاطمة وهي في طريقها إلى السوق كما هي عادتها كانت النساء المنتميات إليه كثرا، ولا يدري أحد صلة القرابة التي تربطهم وادعت أنها تطاولت على المعلِمْ"الزعر"بالسب، وبدأن في الالتفاف حولها ومحاولة الاعتداء عليها.

أرسلت خالتها التي كانت تراقب الأمر من خلف مشربيتها، إحدى خادماتها إلى الشيخ حسن الذي كان مازال في المسجد، طار لنجدة زوجته ولحق به عدد لا بأس به من أخوانه المصلين، وكاد أن ينصرف بفاطمة زوجته لما أخذها من بين النسوة، لكنهم تفاجؤوا بعصابة"الزعر" تحاوطهم وتتهمهم بأنهم تحرشوا بنساء المعلِمْ.

لم تفلح فصاحة الشيخ حسن في تجنب الحرب، ودارت رحى المعركة بين الطرفين كان أهل المغتصب قد أعدوا لها العدة وجهزوا لها، بينما الشيخ حسن ورفاقه قد أُخذوا على غرة ونالهم أذى كبير من الملعون وعصابته؛ وعادوا إلى بيتهم محزونين، وباتت الخالة أم الشيخ حسن ليلتها، محزونة تبكي.

يستيقظ أهل الحي والشيخ حسن وفاطمة على جلبة كبيرة وصخب شديدين، يهرول الشيخ إلى بيت أمه ليطمئن عليها، فيجد متاع أمه محطما في نهر الشارع، و"مرسي الزعر"يجلس أمام دكانته على كنبة أمه ذات الكليم الملون الناعم، وعصابته يحملون سجادتها الفارسية الغالية وقد استولوا عليها وعلى البيت.

 

وكانت بداية القصة.